Friday, July 16, 2010

الحكواتي وتطوّر الرواية العربية

من فجر تاريخهم كان العرب يشتهرون بالفصاحة الشعرية والقوة بالتعبير عن النفس وعن المجتمع القائم, وطبّقو هذه القدرات الكبيرة على بنينة العمق الجمالية في الألفاظ والمعاني على الفنون السردية والشعرية كلها, إلى أنّ تشترك الأدب "الشعبي" الذي أهملته نخبة الأدباء والمثقفين في هذه الصفات الحسنة. فإنّ (سيرة الظاهر بيبرس), مثلا, نموذج هام لغرض أدبي عريق جدا, له جذور راسخة في مجتمع العرب وفنونهم السردية, فهو مستند إلى التراث الشفاهي وتقليد الحكاواتي الشعبي الذي كان متفشيا سابقا في كافة أنحاء العالم العربي, أما في الوقت الراهن فلا يبقى من هذا الفن الجميل الأصيل إلا بقايا قليلة, حيث نجد بأنّ الحكاواتي يستمر في وجوده في بضعة أماكن في البلاد العربية, ومنها ساحة (جامع الفناء) في مدينة مراكش المغربية وقرى مصر الجنوبية ومقهى (النوفرة) العتيق في دمشق القديمة.. وكانت قصص الحكواتي الشعبي تدور عامةّ حول أبطال عرب أو مسلمين أغلبيتهم شخصيات تاريخية بالأصل تحوّلت فيما بعد إلى أساطير خرافية, فكانت أمثال هذه السيّر البطولية كثيرة ومتنوّعة كما حُكيّت في مقاهي القاهرة والشام أيام خوالي, إذ نلفت النظر إلى (تغريبة بني هلال) و(سيرة الزير سالم) و(سيرة الأميرة ذات الحمة) و(سيرة عنترة بن شداد) و(قصة سيف بن ذي يزن) وغيرها من الأعمال الشعبية, إضافةّ للمجموعة القصصية الشهيرة (ألف ليلة وليلة) التي لا يزال أثرها ملموس على الأدب العالمي ولا سيما في الغرب. فمن المؤكد, إذا, بأنّ هذه الحكايات التراثية كانت شفاهية أصلا ومن ثم دُوّنت وصارت نصوصا أدبية مكتوبة باللغة الفصحى, غير أنّ آثار طبيعتها الشفاهية الأصلية ملحوظة بصفةٍ مبيّنة في النص المدوّن.